صورة من الموصل .. دجلة يلفظ انفاسه الاخيرة
حثت تقارير محلية
ودولية ؛ الحكومة العراقية على اتخاذ إجراءات عاجلة لتجنب العواقب الوخيمة الناجمة
عن ظاهرة الجفاف والحد من اثرها الخطير على الاقتصاد والمجتمع والأنظمة الحيوية
الطبيعية ، وهي مشكلة حقيقية ناتجة في المقام الأول عن الأنشطة البشرية واختلال في
الظروف المناخية على مستوى العالم ، لكنها في العراق باتت تتفاقم باطراد بسبب غياب
التخطيط وخفض حصة العراق المائية القادمة من تركيا ، وقطع العديد من الروافد من
جانب ايران .     
الاخلال بحصة
العراق من المياه الاقليمية له انعكاسات خطيرة على الأمن الغذائي الذي يعتبر شرطا
لبقاء المجتمع على قيد الحياة ، وبالتالي يكون من الصعب ايجاد تسوية مرضية بعيدا
عن خيار الحرب ، سيما بعد تجاهل دول المنبع للاتفاقيات الدولية التي ترعى حقوق
العراق في هذه المياه .
محافظة نينوى
التي تعتبر سلة خبز العراق باتت تعاني من إمدادات المياه بسبب التدفق الضعيف عبر
نهر دجلة من تركيا ، وفي مناطق الوسط والجنوب التي تعتمد على نهر الفرات طلب من
المزارعين عدم زراعة المحاصيل الصيفية ، وفي نينوى تم تحديد حصة المياه للمزارعين
واوقات الاستفادة منها لري مزارعهم في وقت تكثر فيه المناشدات باعتماد وسائل الري
الحديثة لتقليل الهدر ، ومع ذلك يعتقد
الكثير ان انخفاض تدفق مياه دجلة سيكون له اثار كارثية على الامن الغذائي في
العراق خصوصا في مناطق الجنوب التي ستشهد قريبا انحسار مريع في مستوى تدفق نهري
دجلة والفرات او ربما نضوبهما في حال لم يتم الاتفاق على اطلاق حصة العراق المقررة
من الجانب التركي الذي لم يتوقف على مدار عقود عن إنشاء السدود على نهري دجلة
والفرات ، والتي بلغ عددها اليوم أكثر من 22 سداً و19 محطة طاقة كهرومائية .
وفي هذا
السياق ، اشار الكاتب روجر بويز في مقال نشره في صحيفة تايمز (The Times) البريطانية ،  إلى أن تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة البحار وتقلبات
الطقس الشديدة قد تؤدي إلى الاقتراب من أول حرب مياه مباشرة منذ أيام بلاد ما بين
النهرين القديمة. 
ويرى بويز ،
أن حرب المياه الأولى قد اقتربت بشكل غير مريح ، وأن الجفاف والهجرة والتغيير
المناخي عوامل تهدد بأعمال عدائية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا ، مستشهدا
بمقولة الكاتب الأميركي الساخر مارك توين "الويسكي للشرب والمياه
للقتال"، لافتا إلى أن هذه هي الحالة التي تبدو عليها منطقة الشرق الأوسط وما
وراءه في الوقت الحالي. 
واضاف بويز
قائلا : بان حروب الشرق الأوسط تندلع عادة عندما تنهار دولة فاشلة حساسة من
الناحية الجيوسياسية مثل اليمن ويتجمع الجيران الأقوياء عليها من أجل الغنائم ،
والفارق الآن هو أن العديد من الدول التي تفتقر إلى الإدارة والمحكومة بشكل سيئ
تنهار في نفس الوقت، مثل لبنان الذي يعيش في ظلام بدون كهرباء ، أو العراق الذي
يعتمد على إيران في الحصول على الكهرباء أو الصومال حيث يأكلون الجراد ، وهذا ما
يجعل الغضب في تصاعد .
ويختتم بويز
مقالته قائلا : أن ذلك ينبغي أن يدق ناقوس الخطر في جميع أنحاء المنطقة، لأن تكلفة
الغذاء في أوائل عام 2011 كانت أحد العوامل التي ساهمت في انتفاضات الربيع العربي.
مؤشرات حرب
المياه بين العراق ودول المنبع كانت ملامحها الاولى ماثلة في زيارة رئيس الوزراء
محمد السوداني الى تركيا مؤخرا ، من اجل اقناع المسؤولين هناك باعادة حصة العراق
من الاطلاقات المائية ، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان له راي اخر عندما
اشترط على الحكومة العراقية أن تتولى توصيف حزب العمال الكردستاني " كتنظيم
إرهابي وتطهير أرضهم من هذا التنظيم ". مقابل زيادة كمية المياه المتدفقة من
نهر دجلة لمدة شهر واحد فقط ! . 
 وقال الرئيس التركي في مؤتمر صحفي مشترك مع
السوداني " قررنا زيادة كمية المياه المتدفقة من نهر دجلة قدر الإمكان لمدة
شهر واحد من أجل رفع ضائقة العراق". ويبدو هذا العرض أقل بكثير مما كان
السوداني يأمل الحصول عليه من الزيارة لمواجهة تقلص حصة العراق من المياه . 
الشرط التركي
هو مقدمة لنزاع طويل الامد ، كونه يستبعد الحلول الدبلوماسية ويفرض على العراق
نوعا من المساومة التي تمس سيادته ، ولعل الخيار المطروح امام الحكومة العراقية
حاليا هو الاذعان للشروط التركية تماشيا مع الوضع الداخلي الذي لايحتمل التصعيد مع
دول الجوار ، لكن الثبات على هذا الخيار الطارئ لن يكون كذلك عند اشتداد ازمة
الجفاف في المستقبل القريب ، وربما يحدث الامر ذاته مع الجارة ايران في حال تم
اضعاف نفوذها في العراق .
نينوى بريس