اسئلة حول الجزء المفقود في اعادة بناء الموصل
 من الواضح ان زيارة رئيس
الوزراء محمد شياع السوداني الاخيرة لمدينة الموصل تركت الابواب مفتوحة على مزيد
من الاسئلة حول التقصير في فهم أولويات المجتمع الموصلي المتمثلة بحاجته الماسة
الى الاهتمام بالمشاريع الانسانية قبل المشاريع العمرانية او حتى التعامل معهما
على قدم المساواة ، فمعاناة الناس مع الفقر والبطالة اخذت منحنيات خطيرة لايمكن
تجاهلها ، بل ولايمكن اخفائها وراء ترميم واجهات المدينة وبعض معالمها الرئيسية
التي تقع في مجال الرؤية ، في وقت لم تشهد الحياة الاجتماعية اي تقدم او انجاز
يمكن المفاخرة به .
مدينة الموصل مثل بقية المدن المحررة من سيطرة الارهاب ،
مازالت بحاجة الى تعزيز حقوق الانسان تماما مثل حاجتها الى احداث تغييرات شاملة
على الهياكل الاقتصادية التي من شانها معاجلة اسباب الفقر وامتصاص البطالة التي
احدثت هزات عنيفة في الحياة الاجتماعية ، فهناك مؤشرات كثيرة على اهمال الجانب
الانساني في قضايا عديدة ، بينها قضية النازحين التي لم يجر عليها اي تغيير دائمي
حتى الان ، فهناك الالاف من المتضررين والنازحين لم تقدم لهم المساعدات الكافية
لاستعادة ما فقدوه من مقومات العيش ، كما لم تصرف منحة العودة لغالبية النازحين
وكذلك التأخير في صرف التعويضات للمتضررين من الارهاب .
ولتوضيح حقيقة هذا التردي في الحياة الاجتماعية ، يكفي
الرجوع الى تصريح سابق لمدير إحصاء نينوى ، نوفل سليمان ، الذي قال لوسائل الاعلام
" إن نسبة الفقر في المحافظة لا تزال في أعلى مستوياتها ووصلت إلى 85٪ ".
اما اولئك الذين يعيشون على الفتات وهم الاغلبية الساحقة
في مدينة الموصل ، فانهم على الارجح سيضعون منجزات البناء في ذيل اهتماماتهم ، وقد
يجدون مبررات عديدة لهذا العزوف ، منها : الشعور بالإحباط العام تجاه الحكومات
المتعاقبة التي اورثتهم الفقر والنزوح ... وفي المقابل تركتهم لمصير مجهول ولم تسع
لانصافهم ، لذلك تبقى هذه الفئة المعدمة منشغلة بتدبير قوتها اليومي والتقاط الفرص
لتحسين اوضاعها المعيشية ، فتجدها لاتهتم كثيرا باخبار اعادة الاعمار مقارنة
باهتمامها الكبير باخبار الحصة التموينية ، واحيانا تستقبل منجزات البناء والاعمار
بعين باكية واخرى ضاحكة ، وهو تعبير مجازي يشير الى اختلاط الحزن بالفرح ازاء
منجزات اعادة الاعمار لواجهة المدينة ومعالمها التي تشعرهم ببعض الفرح ، لكنها في
الوقت ذاته تثير الاسى في نفوسهم بسبب اهمال احتياجاتهم المعيشية والانسانية
الملحة التي وضعتها الحكومات المتعاقبة في ذيل اهتماماتها ومازالت تتعامل معها في
نطاق المجاملة والتسويف .
نينوى بريس / رئيس التحرير